ابتلعت الكنيسة الشخصية القبطية فى وهم يدعى "اضطهاد المسيحين" كما ابتلع بحر القُلْزُم – وهو الاسم الذى كان يطلق على البحر الاحمر قديما - من ركبه وهو المكان الذى غرق فيه فرعون. ولذلك استخدم فى هذا المقال تعبير "تقلزم" للتعبير عن الشخصية القبطية بأنها متقلزمه – بخيلة فى العطاء الى المجتمع وبخيلة فى تقصى الحقائق وسريعة لتقبل ادعاءات باطلة.
تقلزم الشخصية القبطيه.
فى سن السادسة عشر (اى فى عام 1979) فى مصر حينما كنت شماسا فى كنيسة مارجرجس بالعجوزه. كنا فى ذلك الوقت نذهب الى الخلوة فى الاديرة كمجموعات من الشمامسة. ولكن فى هذا العام ذهبت بمفردى. فى ذلك الزمن كنا نأخذ اتوبيس رحلات الى استراحة قريبة من الدير على الطريق الصحراوى ولكن كان الطريق الى الدير غير ممهدا مما يعنى ان تمشى لعدة ساعات من الاستراحة حتى ان تصل الى احد اديرة وادى النطرون – البرموس، السريان، او الانبا بشوى. كنت حينها نحيفا من كثرة الصيام واحمل على كتفى حقيبة بها مسلتزماتى الشخصية للخلوه لمدة ثلاثة ايام ثم ارجع الى منزلى. فى الطريق مرت بى سيارة يسوقها كاهن وبها زوجته واطفاله. عرضوا على ان يحملوا حقيبى لمساعدتى حتى ان نصل الى الدير. فى البداية تمنعت لان بالحقيبة مستلزماتى الشخصية التى يمكن ان احتاج بعضها فى الطريق ولكن بعض اصرارهم وافقت. لكن يبدو انهم اخذوا تمنعى على انه اهانة لهم. حينما وصلت الى الدير وسألت عن الكاهن، خرج الى احد ابناء الكاهن وهو غاضب منى وقال لى انهم كانوا يريدون مساعدتى. فصمت ولم اقل له شيئا لانى لم ادرك حينها لماذا هو غاضب. ثم فى المساء كان هذا الكاهن هو الذى يقود اجتماع التأملات. فسأل المستمعين سؤالا: "ماهو الانسان؟" فكان يجاوبه كل شخص كما يحب ان يقول. ثم جاء دورى للتعليق فأجبت "ألانسان هو روح ونفس وجسد". فاذا بها يتمعض وتحول الى المجتمعين وقال "العيادات المرضية مليئة من المرضى النفسيين، يحمينا الله منهم". فصمت. وحينها لم افقه ماذا يعنى ولماذا قال هذا ولكنى شعرت بالاهانة.
المشكله كما اتضحت لى لاحقا هو ان الكهنة والقساوسة حينما يطرحون سؤالا لايتوقعون ان يبتكر السامع فى الاجابة بل يرغبون فى ان يكرر السامع ماقالوه هم لهم. وبما اننى لم اكرر ماقاله هو فى محاضرته عن الانسان فكان رده محتقر لى.
لم تكن هذه الحادثة الوحيدة التى عاصرت فيها احتقار الكهنة لمن لايكرر مايرغبون فى قوله.
وتعلمت منذ هذه الحادثة شيئا عن الكهنوت الا وهو انهم يحيطون انفسهم بهالة من القداسة يحتقرون بها الاقباط الذين يعبرون عن افكارهم بمفردات ليست مألوفة لهم – كمثل "تقلزم" - ولايقبلون ان يرد عليهم من اساءوا اليه والا اسقطوا عليه جام غضبهم ولعناتهم وانقض عليه بقية افراد العشيرة تابعين للكاهن معتقدين انهم يدافعون عن مكانة الكهنوت المقدس.
كيف اثرت هذه التركيبة النفسيه للكهنوت المصرى فى اقباط مصر حتى انها ابتلعت شخصيتهم المستقله – فتقلزمت – وصارت بخيلة فى عطائها للمجتمع المصرى؟
ابتلعت الكنيسة الاقباط فى قوقعة خيالية اركانها هى "الهوية القبطيه"، "اضطهاد الاقباط" واندثار "اللغة القبطية" بسبب اضطهاد الاقباط فى عصور مصر التاريخيه.
لم تثار مسألة الهوية القبطية قبل صعود العروبة في عهد جمال عبد الناصر في أوائل 1950. حتى ذلك الوقت، كانت القومية المصرية هي الشكل الرئيسي للتعبير عن الهوية المصرية.
لماذا هذا التوقيت الزمنى لهذا الاختراع؟ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية صعدت حركات تحررية يساريه وليبراليه فى انحاء العالم معادية للكنيسة فى الغرب. توجست الكنيسة الشرقية قروب نهايتها كما حدث فى الغرب فسارعت بتهيئة عدو تتجميع ضده قوى مسيحين الشرق للبقاء على قيد الحياة. نشأت نظرية "اضطهاد المسيحين" و"الهوية القبطيه" لكى تبقى الكنيسة – الكهنوت والنظام الكنسى المتحكم فى الزواج والطلاق والمعمودية والوفاة – على قيد الحياه ولايهجرهذا النظام اتباع الكنيسة كما فعلوا فى الغرب وفصلوا الكنيسة عن المجتمع المدنى.
فهل كانت تهمة "اضطهاد المسيحين" فى مصر حقيقية ام انها أسقاط من التاريخ القديم على التاريخ الحديث لتعبئة القوى للحفاظ على النظام الكنسى؟
فى نقاش بينى وبين احد اصدقاء طفولتى، اصر الزميل على الاستناد الى بعض المصادر التاريخية التى تدعى انه منذ عهد الدولة الفاطمية كان الاقباط يحفرون انفاق تحت الارض ممتدة من هياكل كنائسهم ليستطيعون الهروب فيها خلال حقبات الاضطهاد.
ولكن عندما سألته هل عاصرت انت نفسك او اختبرت فى مصر الحديثة اية اضطهاد من المؤسسة الرسمية - بمعنى اية معاملة ظالمة وقاسية - فلم يجد جوابا. هذا الزميل يشغل وظيفة مرموقة فى مصر ويستضيف الكثير من المسلمين فى منزله فى كل مناسبة بمعنى انه شخص اجتماعى وله علاقات وتعاملات كثيرة فى مصر، ولكنه لم يجد حادثة واحدة فى خبرته الشخصية يستطيع ان يصفها بانها معاملة ظالمة وقاسية له بسب دينه.
انا عشت فى مصر لمدة 27 عاما قبل ان اهاجر الى كندا، وليست لدى اية خبرة واحدة استطيع ان ادعى فيها اننى كنت مضطهدا بسبب ديانتى من المسلمين او المؤسسة الحكومية فى مصر.
ولكن لدى خبرات كثيرة فى مصر وخارج مصر عندما كنت مسيحيا من اضطهاد المسيحين او الكنائس او الكهنة لى بسبب معتقداتى فى الدين.
اذن الاضطهاد الوحيد فى العصر الحديث الذى يقع تحته المسيحين هو من المسيحين انفسهم.
حتى فى اقص حالات التحدى حينما اشتعل سوء تفاهمات بين الدولة والكنيسة فى عهد السادات فى سبتمبر 1981 كان الاقباط سالمين وامنين بينما انحصر الخلاف بين القيادات السياسية.
البرهان الواضح على بطلان ادعاء "اضطهاد المسيحين" هو انه حينما ترسخت كنائس قبطية فى بلاد المهجر وكانت لهم الحرية المطلقة فى بناء دور العباده وفى ممارسة العبادات وفى محاولة احياء اللغة القبطيه، لم تستطع الكنيسة البقاء على رعاياها الذين انصرفوا عن هذا الكنيسة وتحولوا الى كافة البدائل المتاحة لهم عقائديا.
بمعنى ان اضطهاد هؤلاء الاقباط فى مصر لم يكن من المسلمين بل كان من النظام الكنسى الذى يحكم قبضته عليهم وعلى افكارهم حتى تقلزمت الشخصية المصريه وصارت اسيرة لاختراعات الكهنة الفكريه الذين لهم حل لتحقير كل من يعترض على افكارهم المقدسة.
تداعيات هذا الاسر الناتج من الخوف المفتعل من الاسلام هو التفكك الاسرى بين الاقباط، لآن الكذب يتسبب فى اختلالات اجتماعية كثيرة. وايضا يعنى التدنى فى المستوى الفكرى وفى التضحية بتقصى الحقائق فى مقابل المصلحة الماديه.
تجربة الحرية لاقباط المهجر اثبتت ان اضمحلال اللغة القبطية لم يكن بسبب الاضطهاد الذى عاصره المسيحين فى تاريخ مصر القديمه ولكن بسبب عدم جاذبية الثقافة واللغة القبطيه لمستخدميها فماتت هذه اللغة. اللغة هى وسيلة الشعوب للتعبير عن ثقافتهم وافكارهم. ولكن تقلزم الشخصية القبطية فى جوف سلطة الكنيسة والكهنوت جعلها بخيلة فى نتاجها الثقافى فماتت اللغه القبطية.
من تداعيات هذه القلزمة هو اختلال الشخصية القبطية التى صارت مشحونة بالكراهية الغير مستحقة تجاة الاسلام.
هل تتذكر الفيلم المسمى "براءة المسلمين" المسئ الذى انتجه شخص يدعى نقولا باسيلي نقولا فى عام 2012 ، وهو أمريكي من أصل مصري قبطي مدان سابقا بتهم احتيال؟
هل تعرف ان مارين لوبان Marine Le Pen رئيسة حزب الجبهة الوطنية (فرنسا) اليميني ابنة مؤسسه ورئيسه السابق جان ماري لوبان الزعيم اليميني ذو اصول قبطية كما نشرت صفحة فرانس 24 فى 2017
الاسلام فى مصر هو كان اقوى عوامل تواجد المسيحية بحميع طوائفها فى مصر. المجتمع الاسلامى هو اكثر احتراما لعبادات المسيحين عن المجتمعات الغربيه التى لاتبالى بالسخرية من رموز الديانة المسيحية على جميع وسائل الاعلام. ادعاء اضطهاد المسيحين فى مصر هو ادعاء باطل.
هل تتذكر فيلم شيفرة دا فينشي للمؤلف الأمريكي دان براون لعام 2003 الذى قدم صورة خيالية لعلاقة بين السيد المسيح مع مريم المجدلية انجبت منه نسل؟ لا يجرؤ احد فى دولة اسلامية على انتاج عمل سينيمائى يشوه فيه شخص المسيح عليه السلام. بمعنى ان تواجد الاسلام فى مصر هو من حمى الديانة المسيحية بجميع طوائفها - ولذلك فان الادعاء بان اضطهاد الاقباط فى مصر تسبب فى تقلص اعداد المسيحين وانقراض اللغة القبطية هو ادعاء باطل.
قلزمة الشخصية القبطية تثقل كاهل الدولة المصرية التى تسعى حثيثا الى ارضاء القيادة الكنسية حتى لايتكرر سيناريو ماحدث فى نهاية عهد الرئيس السادات من سوء تفاهم بين الدولة وقيادات الكنيسة. محاولات الدولة المصرية مبتورة فى التعامل مع تحديات العصر بسبب تقلزم الشخصية القبطية الواقعة فى اسر الكنيسة القبطية والتى جعلت الاقباط بخلاء فى العطاء متخوفين من الهيمنة الاسلاميه بالرغم من كون تواجد هذا الاسلام هو الحامى الوحيد الذى ابقى على كنيستهم على قيد الحياة.
هل أَسَأْتُ انا الى الكنيسة او الى الاقباط بكتاباتى هذه الافكار؟
لا انا لم أُسِيءُ للكنيسة ولا للاقباط.
انا اؤمن ان هناك فارق بين الاساءة وبين تعبير الفرد بشجاعة ضد سطوة المؤسسة الفكرية او انحراف العشيره الاخلاقى فى تقصى الحقائق.
عندما تكون مؤسسة او عقيدة عشيرة فى وضع سلطة عليك – تتحكم فى زواجك وطلاقك وعلاقتك الاجتماعيه ووسائل الاعلام الموجهة اليك – وتكون انت كفرد – لاتملك قدرات مماثلة - تشعر بان هذه المؤسسة أو العشيرة تتسبب بافكار قادتها الى تأثير سلبى عليك فى حياتك، ولاتجد صوت لك فى وسط عنف افراد هذه العشيرة كلما عبرت عن موقفك من افكارهما، فانت فى هذه الحالة واقع تحت اساءة معتقدات قادة هذه المؤسسة أو العشيرة ولك الحق فى ان تفصح بشجاعة عن رأيك فى افكار هذه المؤسسة او العشيرة ولايكون نقدك لهما اساءة لانك كفرد لاتمتك من وسائل الاعلام مايمتلكوه ولاسلطة لك علي التحكم فى توجهاتهما، بينما هم بأفكار قادتهم وافكار العشيرة ونفوذ وموارد هذه العشيرة لهم بالغ الاثر عليك ولهم سلطة عليك.
تقلزم شخصية القبطى جعلها كالدمية فى يد قيادات الكنيسة بالباطل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق